صفة تلبية العمرة عند الميقات

تعدّ التلبيّة شعار الحجّ والعمرة، التي يُسنّ للرجل فيها رفع الصوت، ويسنّ للمرأة الجهر بها دون رفع الصوت خشية الافتتان بها؛ كما يسنّ الإكثار من التلبية من حين الإحرام إلى بداية طواف العمرة، وإلى رمي جمرة العقبة في الحج يوم العيد،[١] وقد ورد عند أهل العلم صفتان للتلبيّة؛ صفة مشروعة وصفة زائدة؛ وفيما يأتي بيانهما:


الصفة المشروعة

ثبت في السنّة النبويّة صفة التلبيّة التي وردت عن النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ والتي يُستحبّ الإكثار منها في كل الأحوال عند الإحرام؛ وهي أن يقول المسلم بعد عقد نيّة الإحرام، والاستواء على الراحلة: (لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لا شَرِيكَ لكَ لَبَّيْكَ، إنَّ الحَمْدَ والنِّعْمَةَ لكَ والمُلْكَ، لا شَرِيكَ لَكَ)؛[٢] كما ورد حديثان آخران في صفة تلبيّة النبي -صلى الله عليه وسلم- ضعّف أحدها أهل العلم، وتكلّم آخرون في أسانيده ورجاله؛ وهذه الأحاديث هي:[٣]

  • عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنّه قال: (سَمِعْتُ رَسولَ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- يقولُ: لَبَّيْكَ حَقًّا حَقًّا، تَعَبُّدًا ورِقًّا...).[٤]
  • ما صحّ عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنّه قال: (إنَّ رسولَ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ- قالَ في تلبيتِهِ: لبَّيْكَ إلَهَ الحقِّ لبَّيْكَ).[٥]


الصفة الزائدة

ورد في صفة التلبيّة الزائدة التي يكون فيها زيادة ثناء وتعظيم لله -تعالى- قول بعض الناس: "لبيك يا رحمن، لبيك يا عظيم، لبيك يا كريم..."؛ ونحو ذلك من الثناء والتعظيم للمولى -سبحانه-، وينبغي التنبيه إلى أنّ بعض أهل العلم أفتوا بعدم جواز الزيادة في التلبيّة، ومخالفة التلبيّة المشروعة الثابتة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.[٣]


إلا أنّ جمهور أهل العلم من السلف أفتوا بجواز ذلك؛ استدلالاً بأنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- سمع بعض أصحابه يقولون في التلبيّة: (لبيكَ ذا المعارجِ، لبيكَ ذا الفواصلِ...)؛[٦] فلم يردّ النبي عليهم قولهم، ولم ينههم، ولم يُلزمهم بشيء، كما ثبت عن بعض الصحابة الزيادة في التلبيّة، دون أن ينكر عليهم ذلك؛ وإن كان الأفضل والأكمل التزام الصيغة المشروعة ابتغاء أجر التأسي بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، وابتغاء أجر اللفظ الثابت في ذلك.[٣]


معنى التلبية

أوحى الله -سبحانه- لسيدنا إبراهيم -عليه السلام- بالأذان لإعلان الحجّ للناس، وقد تكفلّ المولى -سبحانه- بالبلاغ؛ قال -تعالى-: (وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ)،[٧] فكانت التلبيّة إجابة لداعي الله -تعالى-، ودعوة الخليل إبراهيم -عليه السلام-، وحمداً لله -تعالى- على هذا الأمر.[٨]


ثم إنّ التلبيّة مرتان لا تعني إجابة الله -تعالى- فقط مرتين؛ بل هي بمعنى التكرار؛ فتكون التثنية أنّ المُحرم الملبي يجيب ربّه -سبحانه- مرة بعد أخرى، بالطاعة والعبادة وإقامة النُسك؛[٩] وقيل إنّ أصل التلبيّة من ألب المكان؛ إذا لزمه وأقام به الإنسان؛ فتكون بمعنى: "أنا مقيم عند طاعتك، وعلى أمرك…"، من غير التفات ولا إعراض.[١٠]


ومن الجدير بالذكر أنّ كلمة التوحيد اجتمعت في التلبيّة؛ فكأنّ المسلم يتبرأ من الشرك والعبودية لغير الله -تعالى- كما تبرأ نبيّه إبراهيم -عليه السلام-، فكل هذه المعاني الجليلة تدعو المسلم للتدبر والتأمل أثناء ترديد هذه التلبيّة؛ ليحقق عظيم النفع بلسانه وقلبه، وإخلاصه وإيمانه.[١١]

المراجع

  1. محمد بن إبراهيم التويجري، موسوعة الفقه الإسلامي، صفحة 256، جزء 3. بتصرّف.
  2. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم:1549، صحيح.
  3. ^ أ ب ت محمد بن محمد المختار الشنقيطي، شرح زاد المستقنع، صفحة 20، جزء 115. بتصرّف.
  4. رواه الدارقطني، في علل الدارقطني، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم:2337، قال ابن حجر ذكر الدارقطني الاختلاف فيه وساقه بسنده مرفوعا ورجح وقفه.
  5. رواه ابن ماجه، في سنن ابن ماجه، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:2379، صححه الألباني.
  6. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم:1218، صحيح.
  7. سورة الحج ، آية:27
  8. البابرتي، العناية شرح الهداية بهامش فتح القدير، صفحة 435، جزء 2. بتصرّف.
  9. ابن عثيمين، مجموع فتاوى ورسائل العثيمين، صفحة 96، جزء 22. بتصرّف.
  10. العمراني، البيان في مذهب الإمام الشافعي، صفحة 143، جزء 4. بتصرّف.
  11. محمد المختار الشنقيطي، دروس للشيخ محمد المختار الشنقيطي، صفحة 17، جزء 42. بتصرّف.