حكم العطر للمعتمر

يحرم على المعتمر بعد أن يعقد نيته للإحرام بالعمرة ويدخل في النسك أن يضع عطراً على ثوبه أو بدنه، لأن التطيب للمحرم محظورٌ من محظورات الإحرام؛ التي يُمنع منها ويجب عليه اجتنابها، لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (ولَا تَلْبَسُوا شيئًا مَسَّهُ زَعْفَرَانٌ، ولَا الوَرْسُ)،[١] وقوله في شأن الرجل الذي مات وهو محرم: (اغْسِلُوهُ بمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَكَفِّنُوهُ في ثَوْبَيْهِ، وَلَا تَمَسُّوهُ بطِيبٍ)،[٢] وقال ابن قدامة رحمه الله: "أجمع أهل العلم على أن المحرم ممنوع من الطيب"،[٣] وهذا النهي في التطيب للمحرم شاملٌ للرجال والنساء، سواء استُعمل الطيب في ملبسه من ثوب أو نعل، أو استُعمل في بدنه كله أو بعضه.[٤][٥]


لزوم الفدية في الطيب للمعتمر

إن تحريم استعمال الطيب والعطر للمحرم هو في حالة القصد، فإن وضع المعتمر العطر بعد إحرامه مختاراً بإرادته، عامداً بفعله، عالماً بحكمه عصى وأثم، ووجب عليه المبادرة إلى إزالته، ولزمته الفدية، وهي فدية حلق شعر الرأس، فيختار فعل أحد هذه الأمور؛ ذبح شاة، أو إطعام ستة مساكين، أو صيام ثلاثة أيام، قال الله -تعالى-: (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ).[٦][٧]


ولا يشترط في لزوم الفدية أن يطيّب العضو أو يعطّره كاملاً، فالأدلة عامة في لزوم الفدية دون التفريق بين القليل والكثير، وبين تطييب العضو كاملاً أو بعضه، فالتطيب عادةً لا يكون لعضوٍ كاملٍ،[٨]وإن تطيب وتعطّر المحرم ناسياً لإحرامه أو جاهلاً بتحريم الطيب أو مكرهاً، فلا إثم ولا فدية عليه.


ودليل ذلك ما جاء في الحديث الصحيح عندما سئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عما يفعله المحرم إن وضع الطيب على ثوبه ناسياً: (جَاءَهُ رَجُلٌ فَقالَ: يا رَسولَ اللَّهِ، كيفَ تَرَى في رَجُلٍ أَحْرَمَ بعُمْرَةٍ وهو مُتَضَمِّخٌ بطِيبٍ؟ ...فَقالَ: اغْسِلِ الطِّيبَ الذي بكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وانْزِعْ عَنْكَ الجُبَّةَ، واصْنَعْ في عُمْرَتِكَ كما تَصْنَعُ في حَجَّتِكَ)،[٩] حيث أمره النبي -صلى الله عليه وسلم- بنزع ثوبه وغسله لإزالة الطيب وأثره، ولم يأمره بالفدية، وقد قال الله -تعالى- في كتابه: (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً).[١٠]


الحكمة من تحريم الطيب على المعتمر

إن الحكمة من تحريم وضع الطيب واستعمال العطر للمحرم هي إبعاده عن الترفّه والتلذذ بالدنيا وزينتها وملذاتها، وأن يكون مقصده وغايته الآخرة ومرضاة الله -تعالى-، وإن تحريمه أيضاً يعد وسيلة لسد الذرائع؛ فالتعطّر والتطيّب هو من دواعي الوطء ومن أسباب تحريك الشهوة، حيث إن الجماع ودواعيه هي أيضاً من محظورات الإحرام التي يُمنع على المحرم فعلها.[٨]


المراجع

  1. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم:1838، صحيح.
  2. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم:1206، صحيح.
  3. "وضع مزيل العرق المعطر أثناء الإحرام جاهلا بالحكم"، الإسلام سؤال وجواب، اطّلع عليه بتاريخ 24/8/2022. بتصرّف.
  4. مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية، صفحة 321. بتصرّف.
  5. وهبة الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته، صفحة 2296-2298. بتصرّف.
  6. سورة البقرة، آية:196
  7. عبد الله الطيار، الفقه الميسر، صفحة 41. بتصرّف.
  8. ^ أ ب "المبحث الرَّابِع: الطِّيبُ"، الدرر السنية الموسوعة الفقهية، اطّلع عليه بتاريخ 24/8/2022. بتصرّف.
  9. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن صفوان بن يعلى بن أمية، الصفحة أو الرقم: 1536، صحيح.
  10. سورة الأحزاب، آية:5