صفة التلبية في العمرة
التلبية هي شعيرةٌ من شعائر الحج والعمرة، وقد ذُكِرت في العديد من النصوص الشرعية، وثبتت صيغتها المأثورة في حديث عبد الله بن عمر -رضي الله عنه-: (أنَّ تَلْبِيَةَ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لا شَرِيكَ لكَ لَبَّيْكَ، إنَّ الحَمْدَ والنِّعْمَةَ لكَ والمُلْكَ، لا شَرِيكَ لَكَ).[١][٢]
وقد كان عمر بن الخطاب وابنه عبد الله -رضي الله عنهما- وغيرهم من الصحابة يزيدون على هذه الصيغة، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يسمعهم ولا يُنكر عليهم، ونذكر أشهر صيغ هذه الزيادات فيما يأتي:
- يقول ابن عمر -رضي الله عنه-: "كانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يُهِلُّ بِإِهْلَالِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ، وَيَقُولُ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، الْخَيْرُ فِي يَدَيْكَ، وَالرَّغْبَاءُ إِلَيْكَ وَالْعَمَلُ".[٣]
- كان ابن عمر -رضي الله عنه- يزيد على تلبية النبي الكريم فيقول: "لبيك لبيك وسعديك، والخير بيديك، والرغباء إليك والعمل".[٤]
ومن معاني "لبيك اللهم لبيك" أي أتوجّه يا رب لك مخلصاً عبادتي، ومُحبَّاً لك، وقاصداً إيّاك بهذا النّسك، ومقيمٌ على طاعتك وعبادتك لا أبرح،[٥] وهي تلبيةٌ لنداء إبراهيم -عليه السلام- عندما أمره الله -تعالى- بدعوة النّاس للحج، قال -تعالى-: (وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ).[٦]
أمور تتعلق بصفة التلبية في العمرة
يُستحبّ للرجال أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية، ويدل على ذلك قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (أتاني جبريلُ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ فأمرني أن آمرَ أصحابي ومن معي أن يرفعوا أصواتَهم بالإِهلالِ، أو قالَ بالتَّلبيةِ)،[٧] وسُئل النبي الكريم: "أيُّ الحجّ أفضل"؟ فقال: (العجُّ والثجُّ)،[٨] ويُقصد بالعجّ رفع الصوت بالتلبية، أمّا الثجّ فهو النحر وذبح الأضاحي.[٩]
وقد كان الصحابة -رضوان الله عليهم- يفعلون ذلك في تلبية الحجّ والعمرة، فعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: (صَلَّى النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بالمَدِينَةِ الظُّهْرَ أرْبَعًا، والعَصْرَ بذِي الحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ، وسَمِعْتُهُمْ يَصْرُخُونَ بهِما جَمِيعًا)،[١٠][١١] وهذا فيما يتعلّق بالرجال، أمّا المرأة فلا ترفع صوتها بالتلبية، بل تكتفي بإسماع نفسها ورفيقاتها من حولها بذلك.[١٢]
ويُستحبّ الإكثار من التلبية قدر المستطاع، وتتأكّد عند تغيّر الأحوال، كالصعود والنزول، وإقبال الليل وإدبار النهار، وكذا العكس، وأثناء الاجتماع مع النّاس والمرافقين، وبعد الصلوات المفروضة، وفي المسجد، وغير ذلك من الأوقات التي يتأكّد فيها استحباب التلبية.[١٣]
حكم التلبية في العمرة
التلبية سنةٌ من سنن الإحرام عند الشافعية والحنابلة وغيرهم من أهل العلم، لأنّ فعل النبيّ -صلى الله عليه وسلم- يدلّ على الاستحباب لا الوجوب، ولأنّها ذكرٌ من الأذكار، فكانت مسنونةً مثلها مثل باقي أذكار الحجّ والعمرة، ويبدأ المسلم بها من حين إحرامه، ويظلّ يُلبّي حتى يدخل المسجد الحرام ويشرع بالطواف،[١٤] وقد نقل الخطابي عن الإمامين أبي حنيفة ومالك القول بوجوب التلبية بعد الإحرام.[١٥]
المراجع
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم:1549، صحيح.
- ↑ مجدي فتحي السيد، الصحيح من دعاء الحاج والمعتمر، صفحة 5.
- ↑ ابن تيمية، شرح عمدة الفقه، صفحة 576، جزء 1.
- ↑ عبد الكريم الخضير، شرح عمدة الأحكام، صفحة 15، جزء 26. بتصرّف.
- ↑ حسن الزهيري، شرح صحيح مسلم، صفحة 9، جزء 25. بتصرّف.
- ↑ سورة الحج، آية:27
- ↑ رواه أبو داود، في سنن أبي داود، عن السائب بن خلاد، الصفحة أو الرقم:1814، صححه الألباني.
- ↑ رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن أبو بكر الصديق، الصفحة أو الرقم:827، صحيح.
- ↑ أحمد حطيبة، شرح كتاب الجامع لأحكام العمرة والحج والزيارة، صفحة 11، جزء 11. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم:1548، صحيح.
- ↑ عبد العزيز الراجحي، شرح عمدة الفقه، صفحة 13، جزء 37. بتصرّف.
- ↑ عبد العزيز الراجحي، شرح عمدة الفقه، صفحة 11، جزء 21. بتصرّف.
- ↑ حسن الزهيري، شرح صحيح مسلم، صفحة 12، جزء 25. بتصرّف.
- ↑ "ما معنى التلبية"، الدرر السنية، اطّلع عليه بتاريخ 5/6/2023. بتصرّف.
- ↑ ابن حجر العسقلاني، فتح الباري، صفحة 411، جزء 3. بتصرّف.