هل مزيل العرق من محظورات الإحرام؟
عدّ العلماء المتأخرون مزيل العرق ذو الرائحة العطريّة في حال الإحرام كالطيب والدّهن، فتشمله العديد من الأحكام المتعلّقة بالطيب؛ مما يجوز منه، وما لا يجوز، ومتى يصحّ وضعه، ومتى لا يصحّ؛ وفصّلوا في ذلك على النحو الآتي:[١]
إذا كان له رائحة عطريّة ووضعه قبل الإحرام
إذا وضع المُحرم من الرجال مزيل العرق العطريّ قبل عقد نيّة الإحرام، سواء أكان ذلك بعد لبس ثياب الإحرام أو قبلها، وسواء تمّ وضع المزيل على الثياب أم على البدن؛ كان ذلك جائزاً، ولا يعدّ القيام بهذا الأمر من محظورات الإحرام؛ قياساً على العطر والتدّهن به.[٢]
وذلك استدلالاً بحديث أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- حين قالت: (كُنْتُ أُطَيِّبُ رَسولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- لِإِحْرَامِهِ حِينَ يُحْرِمُ، ولِحِلِّهِ قَبْلَ أنْ يَطُوفَ بالبَيْتِ)؛[٣] أيّ قبل عقد نيّة الإحرام، وبعد التحلل منه؛ لأنّ التطيّب سنة مستحبة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.[٤]
إذا كان له رائحة عطريّة ووضعه بعد الإحرام
إذا وضع المُحرم من الرجال مزيل العرق العطريّ بعد عقد نيّة الإحرام، سواء على بدنه، أو على ثوبه؛ فقد لزمته فديّة محظورات الإحرام، حتى لو كان فعله هذا قبل الوصول للميقات؛ لأنّ الإحرام صحيح ومنعقد قبل الميقات، وإن كان الأولى تأخير عقد نيّة الإحرام عند الوصول للميقات.[٥]
وينبغي التنبيه إلى أنّ المُحرم إذا نزع ثيابه التي كان قد طيّبها قبل الإحرام، ثم أراد ارتداءها مرة أخرى لم يجز له ذلك؛ إلا في حال غسلها، ولو لبسها للزمته الفديّة والكفارة؛ فقد فرّق العلماء بين الابتداء والاستدامة؛ فلبس ثياب الإحرام المطيّبة قبل عقد النيّة، والبقاء عليها يُسمى استدامة، وهذا مما لا بأس به.[٥]
ولكنّ نزع الثياب المطيّبة لحاجة ما كالنوم، أو الاغتسال، ثم معاودة ارتدائها يُسمى ابتداءً، أيّ إتيان الطيب بعد الإحرام؛ فهذا يعدّ من المحظورات، وتلزم مرتكبها الفديّة.[٥]
إذا لم يكن له رائحة عطريّة ووضعه بعد الإحرام
أجاز أهل العلم استخدام مزيل العرق الذي لا يحتوي على الطيب والروائح العطريّة في حال الإحرام؛ أيّ بعد عقد نيّة الإحرام، سواء أكان ذلك على الثوب، أو على البدن؛ لأنّ المنهي عنه هو رائحة الطيب، لا مزيل العرق بحدّ ذاته.[٦]
وقد استدلّوا على كل ما سبق بالأحاديث الثابتة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- التي تبيّن محظورات الإحرام؛ ففي الصحيح أنّ رجلاً سأل النبي عمّا لا يصحّ للمُحرم إتيانه عند إحرامه من اللباس والزينة؛ فقال له -صلى الله عليه وسلم-: (... ولَا تَلْبَسُوا مِنَ الثِّيَابِ شيئًا مَسَّهُ زَعْفَرَانٌ ولَا الوَرْسُ).[٧][٤]
تنبيه بشأن مزيل العرق للنساء
تجدر الإشارة إلى أنّ الأحكام المذكورة سابقاً تتعلق بالرجال؛ إذ إنّ المرأة لا يجوز لها وضع الطيب أو العطور ذات الرائحة الظاهرة خارج بيتها، أو أمام الرجال الأجانب، سواء أكان ذلك حال الإحرام أو حال التحلل؛ لأنّ تطيّب المرأة خارج بيتها مما يُخشى الافتتان به؛ وفيه إظهار للزينة المنهيّة عنها في عدد من الأحاديث النبويّة الصحيحة، فلا يصحّ لها القيام بذلك على ما بيّناه.[٨]
ولكن رخّص أهل العلم وضع المسك والدهن ومزيل العرق للمرأة؛ في حال كان له جِرم، وليس له رائحة عطريّة؛ أيّ أنّه يُشاهد أثره على البدن أو الثوب، ولكن لا رائحة له؛ ففي مثل هذه الأنواع جاز للمرأة استعماله.[٩]
سواء أكان ذلك في الإحرام، أو في غيره، وسواء بعد عقد النيّة، أو قبل ذلك؛ استدلالاً بما صحّ عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أنّها قالت: (كنَّا نخرجُ معَ النَّبيِّ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- إلى مَكَّةَ فنضمِّدُ جباهَنا بالسَّكِّ المطيَّبِ عندَ الإحرامِ، فإذا عرِقَت إحدانا سالَ علَى وجهِها، فيراهُ النَّبيُّ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- فلا يَنهاها).[١٠][٩]
المراجع
- ↑ مجموعة من المؤلفين، فتاوى الشبكة الإسلامية، صفحة 19864، جزء 11. بتصرّف.
- ↑ أحمد حطيبة، كتاب الجامع لأحكام العمرة والحج والزيارة، صفحة 5، جزء 11. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:1539، صحيح.
- ^ أ ب عبد الرحمن بن قاسم، الإحكام شرح أصول الأحكام لابن قاسم، صفحة 361، جزء 2. بتصرّف.
- ^ أ ب ت محمد بن محمد المختار الشنقيطي، شرح زاد المستقنع، صفحة 9، جزء 135. بتصرّف.
- ↑ مجموعة من المؤلفين، فتاوى واستشارات الإسلام اليوم، صفحة 270، جزء 7. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:5803، صحيح.
- ↑ مجموعة من المؤلفين، مجلة البحوث الإسلامية، صفحة 100، جزء 65. بتصرّف.
- ^ أ ب حمد الحمد، شرح زاد المستقنع، صفحة 45، جزء 11. بتصرّف.
- ↑ رواه أبو داود، في سنن أبي داود، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:1830، صححه الألباني.