ربط الشعر للرجال في العمرة
أباح جمعٌ من أهل العلم ربط الشعر الطّويل للرّجال؛ سواء أكان ذلك في الإحرام للعمرة، أم في غيرها، إلا أنّهم نبّهوا على أنّ جمع الشعر، وربطه أثناء الصلاة مكروهٌ كراهة تنزيهيّة؛[١] لما دلت عليه الأدلة الشرعيّة الآتية:[٢]
- قوله -صلى الله عليه وسلم-: (أُمِرْتُ أنْ أسْجُدَ علَى سَبْعَةِ أعْظُمٍ علَى الجَبْهَةِ، وأَشَارَ بيَدِهِ علَى أنْفِهِ واليَدَيْنِ والرُّكْبَتَيْنِ، وأَطْرَافِ القَدَمَيْنِ ولَا نَكْفِتَ الثِّيَابَ والشَّعَرَ)؛[٣] والكفْتُ هو الضمّ؛ ويدخل فيه ربط الشعر، ومنعه من السجود مع صاحبه، وقيل إنّ رفع الشعر، وكفّه عن النزول على الأرض أشبه بحال المتكبّر.[٤]
- ما ثبت في صحيح مسلم عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنه-: (أنَّه رَأَى عَبْدَ اللهِ بنَ الحَارِثِ، يُصَلِّي ورَأْسُهُ مَعْقُوصٌ مِن ورَائِهِ، فَقَامَ فَجَعَلَ يَحُلُّهُ، فَلَمَّا انْصَرَفَ أقْبَلَ إلى ابْنِ عَبَّاسٍ، فَقالَ: ما لكَ ورَأْسِي؟ فَقالَ: إنِّي سَمِعْتُ رَسولَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ- يقولُ: إنَّما مَثَلُ هذا، مَثَلُ الذي يُصَلِّي وهو مَكْتُوفٌ)؛[٥] وعقص الشعر يعني ربطه وجمعه وسط الرأس.
ويُستحسن التّنبيه إلى أنّ تطويل الشّعر لا يعدّ سنة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ إنما هو من جملة المباحات؛ وقد فعله النبي -صلى الله عليه وسلم- في زمن اعتاد النّاس فعله، لذا يُستحسن مراعاة عرف أهل البلد في إطالة الشعر،[٦] لا سيما إذا زاد طوله عن شحمة الأذنين، كما يجب توخّي الحذر من مشابهة النساء، أو أصحاب الملل الأخرى، أو أنْ يكون الباعث على ذلك لفت الأنظار واستمالة قلوب النساء وفتنتهنّ.
حكم تسريح الشعر في الإحرام
إذا تيقن المُحرم من تساقط الشعر نتيجة تسريحه أو حكّه أو نحو ذلك من الأمور؛ فإنّ فعله هذا يُعدّ حراماً، ولا خلاف في ذلك بين الفقهاء؛[٧] فإذا كان شعره لا يتساقط مع التّسريح والتّرجيل -التسويّة والامتشاط-؛ فإنّ للعلماء في ذلك مذاهباً؛ نبيّنها على النحو الآتي:
الجواز والإباحة
رأى ابن حزم الظاهريّ جواز تسريح الشعر للمُحرم الذي أَمِنَ من تساقطه؛ واستدلّ على ذلك ما ثبت في الصحيح، أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لأمّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- لمّا حاضت في الحجّ: (... دَعِي عُمْرَتَكِ، وانْقُضِي رَأْسَكِ، وامْتَشِطِي وأَهِلِّي بحَجٍّ، فَفَعَلْتُ...).[٨]أيّ أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر عائشة -رضي الله عنها- بتمشيط شعرها، وقد كانت محرّمة بالعمرة.[٩]
وقد ردّ بعض أهل العلم على استدلال الظاهريّة بحديث عائشة -رضي الله عنها-، بأنّ أم المؤمنين كانت معذورة بأذىً في رأسها، فأجاز لها النبي -صلى الله عليه وسلم- الامتشاط كما أجاز للصحابيّ الذي أرهقه قمل رأسه بالحلق، كما أنّ الامتشاط هنا لم يكن بالمعنى الظاهر؛ أيّ بتسريحه بالمشط، إنّما بتخليل الأصابع في الشعر أثناء غسل الإحرام.[١٠]
الكراهة
ذهب الشافعيّة والحنابلة إلى كراهة تمشيط الشعر أثناء الإحرام، حتى وإن أَمِن المُحرم من تساقطه؛ لأنّ ذلك أقرب للنّتف، ولأنّ فيه مظنّة الاقتراب من فعل المحظورات؛[٧] يقول البهوتيّ الحنبلي: "للمحرم غسل رأسه وبدنه؛ فعل ذلك عمر وابنه، وأرخص فيه علي وجابر بلا تسريح، لأنّ تسريحه تعريض لقطعه".[١١]
التحريم
ذهب بعض الحنفيّة إلى تحريم التسريح؛ لأنّ فيه إزالة لأثر العبادة، وفيه ارتكاب لمحظور من المحظورات؛ التي نُهي المُحرم عنها؛ واستدلوا على ذلك بقوله -صلى الله عليه وسلم-: (الحاجُّ الشَّعِثُ التَّفِلُ)؛[١٢] ويُقصد بالشعث الانتشار الذي يكون بشعر الحاجّ نتيجة أداء النُسك، وأمّا التّفل؛ فهو من يترك الطيب والتطيّب.[١٣]
والقول بالكراهة على رأي بعض المتأخرين هو أعدل الأقوال وأوسطها؛ لأنّ الأصل في الحاجّ أن يكون أشعث أغبراً، ولا بأس إن غسله أو سرّحه؛ وإن وقع منه بعض الشعر دون تعمّد لا بأس عليه؛ لقوله -تعالى-: (... وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ...).[١٤][١٥]
المراجع
- ↑ النووي، شرح النووي على مسلم، صفحة 209، جزء 4. بتصرّف.
- ↑ سعيد بن وهف القحطاني، الخشوع في الصلاة في ضوء الكتاب والسنة، صفحة 203. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم:812، صحيح.
- ↑ عبد السلام العامر، فتح السلام شرح عمدة الأحكام من فتح الباري، صفحة 326، جزء 2. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم:492، صحيح.
- ↑ ابن عثيمين، لقاء الباب المفتوح، صفحة 22، جزء 126. بتصرّف.
- ^ أ ب مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية، صفحة 179، جزء 11. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:317 ، صحيح.
- ↑ ابن حزم، المحلى بالآثار، صفحة 186، جزء 5. بتصرّف.
- ↑ الشوكاني، نيل الأوطار، صفحة 94، جزء 5. بتصرّف.
- ↑ البهوتي، كشاف القناع عن متن الإقناع، صفحة 123، جزء 6. بتصرّف.
- ↑ رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم:2998 ، حسنه الألباني.
- ↑ ابن مودود الموصلي، الاختيار لتعليل المختار، صفحة 144، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ سورة الأحزاب، آية:5
- ↑ ابن عثيمين، فتاوى نور على الدرب للعثيمين، صفحة 2، جزء 12. بتصرّف.