النيابة في العمرة
ذهب عموم الفقهاء إلى جواز أداء المسلم عمرةً عن غيره سواء أكان الإنسان ميتاً أو عاجزاً عن الأداء بنفسه، وسواء أكان قريباً أم غريباً؛ لأنّ العمرة كالحج عبادة بدنيّة ماليّة تجوز النّيابة فيها، وفيما يأتي تفصيل ذلك:[١]
- ذهب الحنفية إلى جواز أداء المسلم العمرة عن غير نفسه بشرط إذنه، فلا تصّح النيابة إلا بالأمر منه.
- ذهب المالكية إلى كراهة الاستنابة في العمرة؛ ولكنّها إذا وقعت كانت صحيحة.
- ذهب الشافعية إلى جواز النيابة في العمرة للميت وللعاجز عن القيام بذلك، فلو مات المسلم وفي ذمته عمرة واجبة وكان على استطاعة من فعلها، لكنّه لم يُؤدها حتى مات، وجب أداؤها عنه من التركة، ويجوز للأجنبي -الغريب- النّيابة في أدائها ولو بدون إذن الميت قبل موته؛ قياساً على سداد الدَّيْن دون إذنٍ منه بعد موته.
- ذهب الحنابلة إلى جواز النيابة عن الميت بالعمرة دون إذنه؛ بينما اشترطوا الإذن في النيابة عن الحيّ والأمر منه.
وقد استدلّ العلماء بجواز الإنابة في الحج والعمرة بما ثبت عن امرأة من خثعم جاءت تسأل النبي -صلى الله عليه وسلم-: (يا رَسولَ اللهِ، إنَّ فَرِيضَةَ اللهِ علَى عِبَادِهِ في الحَجِّ، أَدْرَكَتْ أَبِي شيخًا كَبِيرًا لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَثْبُتَ علَى الرَّاحِلَةِ، أَفَأَحُجُّ عنْه؟)، فقال -صلى الله عليه وسلم-: (نَعَمْ، وَذلكَ في حَجَّةِ الوَدَاعِ)،[٢] وبما صحّ عن أبي رزين -رضي الله عنه-، أنّه جاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وقال: (يا رسولَ اللَّهِ إنَّ أبي شيخٌ كبيرٌ، لا يَستطيعُ الحجَّ، ولا العُمرةَ، ولا الظَّعنَ)، فقال -صلى الله عليه وسلم-: (حجَّ عن أبيكَ، واعتَمرَ).[٣][٤]
شروط النيابة في العمرة
وضع العلماء عدّة شروط لصحة النيابة في الحج والعمرة، ويمكن تلخيص هذه الشروط على النحو الآتي:[٥]
- أن تكون النية في الإحرام عمّن ينوب عنه لا عن نفسه؛ وذلك بأن يقول: "نويت الحج أو العمرة عن فلان.. ولبيك اللهم عن فلان"، ونحو ذلك؛ ولو نسي المسلم اسم من أحرم عنه ولكنّه نوى أن تكون عن غيره المقصود بذلك جاز؛ لأنّ النية محلّها القلب.
- أن يكون المسلم الحيّ المُناب عنه عاجزاً عن الأداء بنفسه، وأن يكون له مال في ذات الوقت.
- أن يستمر عجز الحيّ المُناب عنه حتى الموت؛ كالحبي والمرض الشديد، فإن شُفي قبل موته لم يُجزئه حجّ من ناب عنه على رأي بعض أهل العلم.
- أن يكون الحج أو العمرة قد وجبت بحقّ المُناب عنه؛ بأنّ يكون مستطيعاً بالمال غير محتاج له.
- وجود العذر المجيز للنيابة قبل توكيل الحج إلى غيره؛ وذلك في حقّ الحي العاجز.
- أن يكون المال أو أكثره من مال المُناب عنه؛ ولو أراد النائب التّطوع من ماله عن هذا الشخص لم يصحّ عند بعض الفقهاء في حجّ الفريضة، وجاز في حجّ التّطوع.
- أن يُحرم النائب على النحو المطلوب منه؛ فلو طُلب منه الحجّ لكنّه اعتمر لم يصحّ ذلك.
- إذن المُناب عنه في الإحرام وأداء المناسك عنه؛ وذلك عند من اشترط ذلك من العلماء.
- أن يكون النائب صاحب أهليّة؛ بأن يكون مكلفاً بالغاً عاقلاً.
النفقة في نيابة العمرة أو الحج
اتفق العلماء على جواز أخذ النفقة من مال الميت أو العاجز في النيّابة للعمرة أو الحجّ؛ لأنّ النائب في هذه الحالة لا يقوم إلا بالنيابة المحضة، فهو ينفق على نفسه وأداء نُسكه فقط كما لو كان الميت أو يعاجز يُقومان بهذا النُسك، ويترتب على هذا الأمر ما يأتي:[٦]
- أنّ النائب لو مات أو أُحصر أو ضل طريقه؛ لم يلزمه ضمان ما أنفق لأنّ إنفاقه كان بإذن صاحبه.
- أنّه إذا ناب عن النائب الأول شخص آخر؛ أكمل الطريق من حيث انتهى النائب الأول.
- أن يردّ النائب ما فضل معه من المال بعد أداء النُسك؛ إلا إذا أذن له صاحب المال بأخذه.
- أن ينفق النائب على نفسه بالمعروف من غير شحٍ أو تبذير.
- أنّ النائب لا يجوز التبرع أو التصرّف بشيءٍ من المال إلا بإذن صاحبه.
مواضيع أخرى:
المراجع
- ↑ مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية، صفحة 328-329، جزء 30. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبدالله بن عباس، الصفحة أو الرقم:1334، صحيح.
- ↑ رواه ابن ماجه، في سنن ابن ماجه، عن أبي رزين العقيلي لقيط بن عامر ، الصفحة أو الرقم:2366، صححه الألباني.
- ↑ عبد الله الطيار، الفقه الميسر، صفحة 33، جزء 4. بتصرّف.
- ↑ وهبة الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته، صفحة 2106-2110، جزء 3. بتصرّف.
- ↑ عادل شاهين، أخذ المال على أعمال القرب، صفحة 383-384، جزء 1. بتصرّف.