مفهوم الإحصار في الحج

يُقصد بالإحصار لغةً المنع والحبس؛ يُقال: أحصره المرض أو السلطان؛ أيّ منعه عن مقصده، ويُقال: حصره إذا حبسه، ومعنى الإحصار في الحجّ: التضييق والمنع من السفر، أو من إتمام مناسك الحجّ؛ قال -تعالى- في هذا المعنى: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ۚ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ۖ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ...).[١][٢]


وهذه الآية الكريمة نزلت يوم الحديبيّة لما صُدّ المسلمون عن البيت الحرام، ومنعتهم قريش من أداء العمرة؛ فأنزل الله -تعالى- هذه الآيات لبيّان ما يترتب على الإحصار من أحكام. ولقد تعددت آراء أهل العلم فيما يكون به الإحصار؛ فقالوا:[٢]


  • لا يكون الإحصار إلا بالعدو وتضييقه ومنعه

ذهب جمهور الفقهاء إلى القول بأنّ الإحصار لا يكون إلا بالعدو؛ لأنّ التحلل شُرع لأجل تحصيل النجاة من العدو، بإنهاء الإحرام والاندفاع إلى الوطن والأهل؛ فيندفع بذلك شرّ العدوّ، واعتراضهم على الإحصار بالمرض أنّ المريض قد يزول عنه مرضه قبل فوات الحجّ.


  • يكون الإحصار بالعدو والمرض

قال بعض أهل العلم أنّ المُحرم متى ما أُحصر بعدو أو مرض جاز له التحلل؛ وهو قول الحنفيّة.


  • لا يوجد قيد محدد للإحصار

اختار جمعٌ من المتأخرين من أهل العلم أنّ الإحصار لا يُقيّد بشيء؛ لأنّ شعائر العمرة والحجّ قائمة إلى يوم الساعة، فيختلف الإحصار عند الناس باختلاف أزمانهم؛ فقد يكون الإحصار بمرض أو عدو، أو تأخر طائرة، أو تعطّل مركبة، أو عدم إصدار إذن الدخول -التأشيرات-، أو تأخر جوازات السفر، أو حصول حرب إقليميّة أو غير ذلك من الأسباب المانعة من إتمام المناسك.[٣]


وعليه؛ فلا ينبغي حصر المُحرم في صورة واحدة من صور الإحصار؛ فكل من أهلّ بالحجّ أو العمرة وحبسه حابس من إتمام النُسُك فهو مُحصر؛ ولعلّه الأظهر والأقرب للواقع على حدّ قولهم.[٣]


شروط الإحصار في الحجّ

لم يُصرّح الفقهاء باشتراط أمور محددة يكون فيها تحقق الإحصار؛ إنّما من خلال بيان أقوالهم وآرائهم في هذه المسألة؛ يمكن استنتاج الشروط التي يكون معها الإحصار متحققاً على النحو الآتي:[٤]

  • سبق الإحرام بالنُسُك؛ سواء أكان بحجٍ أو بعمرة، أو بهما معاً، لأنّ المُسلم إذا أُحصر قبل أن يُحرم فلا يلزمه شيء.
  • أن لا يكون المُحرم قد وقف بعرفة قبل حدوث الإحصار؛ وهذا عند الحنفيّة والمالكيّة؛ أمّا عند الشافعيّة والحنابلة، فيتحقق الإحصار عن الطواف بالبيت.
  • أن ييأس المُحرم من زوال المانع، بأن يتيقن أو يغلب على ظنّه فوات الحجّ، أو أن لا يبقى معه زمانٌ يستطيع تدارك الفوات قبل ليلة النحر.
  • أن لا يعلم المُحرم بحصول المانع والإحصار قبل إحرامه؛ وهذا الشرط اشترطه المالكيّة، وتفرّدوا به من دون الفقهاء؛ فإن كان المُحرم عالماً بالإحصار قبل حدوثه، فيبقى على إحرامه حتى يحجّ العام القادم، فإن كان يتوقع حدوث الإحصار دون تأكد؛ جاز له التحلل.


أنواع الإحصار في الحجّ

بداية ينبغي الإشارة إلى أنّ الفقهاء في المذاهب الأربعة؛ من الحنفيّة، والمالكيّة، والشافعيّة والحنابلة؛ ذهبوا إلى أنّ من مُنع عن واجب من واجبات الحج؛ فلا يكون مُحصراً؛ لأنّ هذا الواجب يُجبر بالفديّة والدم، فلا يعدّ الامتناع عن أداء أحد واجبات الحجّ من أنواع الإحصار،[٥] ويمكن بيان أنواع الإحصار في الحجّ بحسب الركن المُحصر عنه على النحو الآتي:


الإحصار عن الوقوف بعرفة

تعددت آراء الفقهاء في اعتبار المنع من الوقوف بعرفة دون البيت الحرام؛ سبباً لجعل المُحرم محصراً أم لا؛ فقالوا:[٦]

  • إنّ الحاجّ لا يكون مُحصراً، لأنّه يستطيع التحلل بالطواف دون الحاجة لذبح الهدي كفائت للحجّ، وهو قول الحنفيّة والإمام أحمد في رواية عنه.
  • إنّ الحاج في هذه الحالة يكون مُحصراً؛ وعليه التحلل بأعمال العمرة؛ وهو قول المالكيّة والشافعيّة.
  • يجب على الحاجّ التحلل بالعمرة؛ ولا شيء عليه إن كان قبل فوات الوقوف بعرفة؛ لأنّه يجوز لمن أحرم بالحجّ أن يجعله عمرة ولو بدون إحصار، وهذا ما اختاره الحنابلة؛ وبعض المتأخرين.


الإحصار عن طواف الإفاضة

تعددت أقوال الفقهاء أيضاً فيمن شهد الوقوف بعرفة، ولكنّه لم يتمكن من إتمام المناسك والوصول إلى البيت الحرام؛ هل هو بذلك مُحصر أم لا؛ فقيل في ذلك ثلاثة أقوال؛ وهي:[٦]

  • لا يكون الحاجّ مُحصراً؛ وعليه إتمام أعمال الحجّ متى استطاع ذلك؛ فيبقى الحاجّ محرماً عن النساء حتى يطوف، وذلك استدلالاً بعموم الأدلة التي تبيّن أن ركن الحجّ الأعظم الذي يسقط به الفرض هو الوقوف بعرفة؛ وهو مذهب الحنفيّة والمالكيّة.
  • يكون الحاجّ مُحصراً، ويجوز له التحلل؛ وهو مذهب الشافعيّة في الأظهر.
  • يكون الحاجّ مُحصراً إذا كان حصول المانع بعد الوقوف بعرفة، وقبل رمي الجمرة؛ وله التحلل بعد ذلك؛ أمّا إن كان حصول المانع عن طواف الإفاضة بعد الرمي؛ فلا يُعدّ مُحصراً، وليس له التحلل، وهو مذهب الحنابلة.


بعض أحكام الإحصار في الحج

يترتب على المُحرم المُحصر العديد من الأحكام التي يجب عليه فعلها حتى يتحلل من إحرامه، ولا يبقى متلبساً بنُسُكه؛ ومن هذه الأحكام:[٧]

  • إذا تبيّن للمُحرم أنّه قد أُحصر ولم يتمكن من إتمام الحجّ؛ فإنّه يلزمه التحلل من إحرامه؛ وذلك بالقيام بأعمال التحلل، من الحلق والتقصير، وذبح الهدي، ونحو ذلك.[٨]
  • ذهب الشافعيّة والحنابلة إلى أنّ من اشترط في إحرامه بأن قال: "فإن حبسني حابس فأنا حلال"، أو قال: "فإن حبسني حابس فمحلي حيث حبسني"، فيجوز له التحلل متى ما حصل المانع، ولا يلزمه الهدي إن اشترط عدم ذبحه، فإن اشترط ذبحه لزمه تطبيق ما اشترط؛ وعلى هذا يُحمل قوله -صلى الله عليه وسلم-: (من كُسِر أو عَرِج فقد حلَّ وعليه الحجُّ من قابِلٍ).[٩]
  • يتحلل من اُحصر عن الوقوف بعرفة دون الطواف -على اختلاف أقوالهم بالإحصار في هذه المسألة- بأداء عمرة؛ وهو ما اتفق عليه الفقهاء.
  • اتفق الفقهاء على أنّ القضاء يلزم المُحرم في حال أحصر عن نُسكٍ واجب؛ كجّة الإسلام، أو الحجّ المنذور، ولا يسقط عنه هذا الواجب بسبب الإحصار، أمّا من أُحصر عن نُسُك التطوع فلا يلزمه القضاء باتفاق جمهور الفقهاء.

المراجع

  1. سورة البقرة، آية:196
  2. ^ أ ب عبد الحق الدهلوي، لمعات التنقيح في شرح مشكاة المصابيح، صفحة 441، جزء 5. بتصرّف.
  3. ^ أ ب صالح المغامسي، آيات الحج في القران الكريم، صفحة 3، جزء 7. بتصرّف.
  4. مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية، صفحة 199، جزء 2. بتصرّف.
  5. مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الدرر السنية، صفحة 335، جزء 2. بتصرّف.
  6. ^ أ ب مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الدرر السنية، صفحة 334-335، جزء 2. بتصرّف.
  7. مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية، صفحة 214-217، جزء 2. بتصرّف.
  8. مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية، صفحة 205، جزء 2. بتصرّف.
  9. رواه أبو داود، في سنن أبي داود، عن الحجاج بن عمرو الأنصاري، الصفحة أو الرقم:1862، قال الحاكم صحيح على شرط البخاري.