حكم عقد نكاح المحرم

تعدّدت آراء الفقهاء في حكم إجراء عقد النّكاح للمُحرم تبعاً لعدّة اعتبارات، ومنها أنّ الأدلّة ظاهرها التعارض، ونذكر أقوالهم فيما يأتي:[١]

  • رأي الحنفية

يجوز للمُحرم أن يعقد عقد النّكاح؛ أي يعقده لابنه أو لأخيه، لِما ثبت عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنه- قال: (تَزَوَّجَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مَيْمُونَةَ وهو مُحْرِمٌ، وبَنَى بهَا وهو حَلَالٌ).[٢]


  • رأي جمهور الفقهاء

قالوا بعدم جواز إجراء عقد النكاح من المُحرِم أو للمُحرِم، لقول النبيّ -صلى الله عليه وسلم- صراحةً: (لا يَنْكِحُ المُحْرِمُ، ولا يُنْكِحُ، ولا يَخْطُبُ)،[٣] وردّوا على قول الحنفيّة فقالوا: إنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- تزوّج ميمونة -رضي الله عنها- وهو حلال، فعن ميمونة -رضي الله عنها-: (تزوَّجَني رسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ علَيهِ وسلَّمَ ونحنُ حلالانِ بسَرِفَ).[٤]


أما الحديث الذي استدلّ به الحنفية فقال البخاري عن ابن المسيّب: إنّ ابن عباس -رضي الله عنه- وهِم في هذا الحديث، لأنّه لم يحضر قصة زواج النبي الكريم من أم المؤمنين ميمونة، بينما حضرها أبو رافع، وهو الذي خطب ميمونة -رضي الله عنها- للنبي، وقد روى أنّ النبيّ الكريم تزوّج بميمونة وبنى بها وهو حلال في الحالتين، وصاحب القصة أتقن وأضبط في روايته من غيره.


وبناءً على ذلك مَن أجرى عقد النّكاح وهو مُحرم أو عُقِد له النّكاح كان آثماً إذا لم يكن جاهلاً بالحكم أو ناسياً أو مُكرهاً على ذلك، لأنّ النكاح من محظورات الإحرام، ولا يصحّ عقد النّكاح عند جمهور الفقهاء، ولكن لا فدية على صاحبها؛ لعدم وجود دليلٍ على وجوبها، ولأنّ عقد النّكاح هنا كان وسيلةً لم تترتّب عليها الفائدة والانتفاع، ولأنّه فسد بسبب الإحرام، كشراء الصيد، فلم تجب فيهما الفدية.[٥]


حكم خطبة المحرم دون عقد النكاح

بناءً على رأي الحنفية بجواز عقد النّكاح فمن باب أولى أنّ مجرّد الخطبة عندهم جائزة، وقد تعدّدت آراء بقيّة الفقهاء في خِطبة المُحرم دون إجراء عقد النكاح على قولين أيضاً، ونذكرهما فيما يأتي:

  • مذهب الشافعية والحنابلة

قالوا بكراهة الخِطبة للمُحرِم والمُحرِمة، وكراهة أن يخطب المُحرم لغيره كذلك وإن كانوا مُحلّين من إحرامهم، لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لا يَنْكِحُ المُحْرِمُ، ولا يُنْكِحُ، ولا يَخْطُبُ)،[٣] ولقول عبد الله بن عمر -رضي الله عنه-: "لَا يَنْكِحِ الْمُحْرِمُ، وَلَا يَخْطُبْ عَلَى نَفْسِهِ وَلَا عَلَى غَيْرِهِ"، ولأنّ عقد النكاح لا يجوز للمُحرم، فكُرهِت له الخِطبة.


  • مذهب المالكية

خِطبة المُحرِم لا تجوز، وهي مُحرَّمة؛ للحديث السابق الذي استدل به الشافعية والحنابلة، فَنَهْيُ النبي -صلى الله عليه وسلم- يدلّ على التحريم، ولا يُعارض ذلك حديثٌ آخر أو أثر، بل قول ابن عمر -رضي الله عنه- يدلّ كذلك على التحريم لا الكراهة، وقالوا إنّ الخطبة مقدِّمةٌ للنّكاح، وهي توجب تعلّق قلب الخاطب والمخطوبة ببعضهما، وبالتالي استثقال الإحرام وتعجيل التحلّل، فكانت ممنوعةً حسماً لكلّ ذلك.[٦]


حكم زواج المحرم

يُقصد بالزواج هنا الجماع، وهو مُحرَّمٌ على المُحرم من باب أوْلى، لقول الله -تبارك وتعالى-: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ)،[٧] والرّفث هو الجماع، وقد أجمعت الأمّة على تحريمه في الإحرام، وتجب فيه الكفارة.[٨]


ومَن جامع زوجته قبل الوقوف بعرفة فسد حجّه بإجماع أهل العلم، أمّا إن جامعها بعد الوقوف بعرفة وقبل التحلّل الأول فحجُّه فاسدٌ عند جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة، فإنْ جامعها بعد التحلل الأول لم يفسد حجّه باتّفاق الفقهاء، ويترتّب على الجماع للمُحرم في الحج خمسة أمور:[٩]

  • الإثم.
  • فساد الحج على التفصيل الذي ذكرناه سابقاً.
  • وجوب إتمام النّسك وإن كان فاسداً.
  • وجوب قضاء الحجّ الذي فسد.
  • الفدية المغلّظة، وهي ذبح بدَنةٍ وتوزيع لحمها على الفقراء في مكة.


ويجدر بالذّكر أنّ المباشرة بشهوةٍ مُحرَّمةٌ أيضاً على المُحرِم، ومَن فعل ذلك فعليه الفدية بذبح شاة أو الصيام أو الإطعام على تفصيلٍ ذكره الفقهاء، وهذا إذا فعله المُحرم عالماً بحرمته غير جاهلٍ أو ناسٍ، فإن كان كذلك فلا فدية عليه.[٨]

المراجع

  1. محمد حسن عبد الغفار، أثر الاختلاف في القواعد الأصولية في اختلاف الفقهاء، صفحة 6، جزء 4. بتصرّف.
  2. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم:4258، صحيح.
  3. ^ أ ب رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عثمان بن عفان، الصفحة أو الرقم:1409، صحيح.
  4. رواه أبو داود، في سنن أبي داود، عن ميمونة بنت الحارث أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:1843، صححه الألباني.
  5. مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية، صفحة 156، جزء 2. بتصرّف.
  6. "الخِطْبةُ للمُحْرِمِ"، الدرر السنية، اطّلع عليه بتاريخ 5/4/2023. بتصرّف.
  7. سورة البقرة، آية:197
  8. ^ أ ب أحمد حطيبة، آداب العمرة وأحكامها، صفحة 10، جزء 2. بتصرّف.
  9. مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية، صفحة 161، جزء 2. بتصرّف.