حكم صيام التسع من ذي الحجّة تطوعاً للحاج

اتّفق الفقهاء الأربعة على استحباب صيام الثماني الأولى من ذي الحجّة عموماً، وصرّح كلٌّ من المالكية والشافعية باستحباب صيام هذه الأيام للحاجّ أيضاً، باستثناء اليوم الثامن عند المالكية، وهو يوم التروية، فكرهوا صيامه للحاج، وقد استدلّوا على استحباب صيام هذه الأيام بحديث النبيّ -صلى الله عليه وسلم- عن فضل العشر من ذي الحجّة: (ما العَمَلُ في أيَّامٍ أفْضَلَ منها في هذه، قالوا: ولا الجِهادُ؟ قالَ: ولا الجِهادُ، إلَّا رَجُلٌ خَرَجَ يُخاطِرُ بنَفْسِه ومالِه، فلَمْ يَرْجِعْ بشَيءٍ).[١][٢]


أمّا صيام يوم عرفة -وهو اليوم التاسع من ذي الحجّة- فلا يُستحبّ صيامه في حقّ الحاجّ، وكره الفقهاء له صيامه، اقتداءً بالنبيّ -صلى الله عليه وسلم-؛ فقد وقف على عرفة مفطراً، وتبعه الصحابة في ذلك،[٣] والحكمة من كراهة صيام يوم عرفة للحاجّ حتى يقوى على الذّكر والعبادة وأعمال يوم عرفة.[٤]


ويدلّ على عدم استحباب صيام يوم عرفة للحاج ما ثبت عن أمّ الفضل -رضي الله عنها-: (أنَّ نَاسًا تَمَارَوْا عِنْدَهَا يَومَ عَرَفَةَ في صِيَامِ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَقالَ بَعْضُهُمْ: هو صَائِمٌ، وَقالَ بَعْضُهُمْ: ليسَ بصَائِمٍ، فأرْسَلْتُ إلَيْهِ بقَدَحِ لَبَنٍ وَهو وَاقِفٌ علَى بَعِيرِهِ بعَرَفَةَ، فَشَرِبَهُ).[٥]


حكم صيام الحاج في فدية الأذى

يُقصد بفدية الأذى ما يجب على الحاج تقديمه إذا ارتكب إحدى محظورات الإحرام الآتية، وهي: تقليم الأظافر، أو إزالة الشعر، أو استعمال الطّيب، أو لبس المخيط للرجل، أو تغطية رأسه، أو لبس النقاب للمرأة، أو لبس القفّازين، أو المباشرة بين الرجل وزوجته بشهوةٍ دون جماع.[٦]


وما سبق من محظورات الإحرام يُخيّر مَن فَعَلَ شيئاً منها بثلاثة أمورٍ في الإسلام؛ فإمّا أن يصوم ثلاثة أيامٍ متتابعة أو متفرّقة، وإما أن يُطعم ستّة مساكين لكلّ واحدٍ منهم نصف صاعٍ ممّا يُطعم، وإمّا أن يذبح شاةً ويوزّع لحمها على فقراء مكّة، فإن اختار الصيام وجب عليه فعل ذلك،[٦] ولكن يجوز للحاج أن يصومها في مكة ويجوز في غيرها، فهو مخيَّرٌ في ذلك أيضاً.[٧]


حكم صيام الحاج المتمتع

يُقصد بحجّ التمتّع أن يُحرم الحاجّ بالعمرة فقط في البداية، ثمّ يتحلّل من إحرامه بعد العمرة وينتظر حتى يوم التروية أو يوم عرفة، فيُحرم بالحجّ وحده، ويجب على الحاجّ المتمتّع في الإسلام أن يذبح الهدي ويوزّع لحمه على الفقراء في مكة، فإن لم يجد أو لم يكن معه ثمنه وجب عليه صيام عشرة أيام؛ منها ثلاثة أيامٍ في الحج، وسبعة أيامٍ بعد رجوعه إلى بلده، ويدلّ على ذلك:[٨]


  • قول الله -تعالى-: (... فإِذا أَمِنْتم فمن تمتَّعَ بالعُمْرةِ إلى الحجِّ فما اسْتيْسَرَ من الهَدْي فمن لم يجدْ فصيامُ ثلاثةِ أيامٍ في الحجِ وسبعةٍ إذا رَجَعْتم تلك عَشَرَةٌ كاملةٌ ذلك لمن لم يكن أَهلُهُ حاضِري المسجدِ الحرامِ...).[٩]
  • قول النبي -صلى الله عليه وسلم- لِمن تمتّع من المسلمين: (... فمَن لَمْ يَجِدْ هَدْيًا، فَلْيَصُمْ ثَلَاثَةَ أيَّامٍ في الحَجِّ وسَبْعَةً إذَا رَجَعَ إلى أهْلِهِ...).[١٠]

المراجع

  1. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم:969، صحيح.
  2. مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية، صفحة 91، جزء 28. بتصرّف.
  3. مجموعة من المؤلفين، مجلة البحوث الإسلامية، صفحة 280، جزء 59. بتصرّف.
  4. "ما حكم صيام الأيام الثمانية الأولى من شهر ذي الحجة للحاج وغيره؟"، الإسلام سؤال وجواب، اطّلع عليه بتاريخ 2/4/2023. بتصرّف.
  5. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن لبابة بنت الحارث أم الفضل، الصفحة أو الرقم:1123، صحيح.
  6. ^ أ ب "يسأل عن التخيير في الفدية"، الإسلام سؤال وجواب، اطّلع عليه بتاريخ 9/4/2023. بتصرّف.
  7. "مكان الصيام في فدية ارتكاب محظورات الإحرام"، إسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 9/4/2023. بتصرّف.
  8. محمود عويضة، الجامع لأحكام الصيام، صفحة 220. بتصرّف.
  9. سورة البقرة، آية:196
  10. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم:1691، صحيح.