منزلة الحج ومكانته في الإسلام

الحجُّ من أعظم العبادات في الإسلام، وهو عبادةٌ عظيمة الشأن عند الله -تبارك وتعالى-، ولعلّ من أبرز ما يدلّ على عِظم منزلته ومكانته في الإسلام ما يأتي:


أحد أركان الإسلام

الحجُّ ركنٌ من أركان الإسلام الخمسة، فلا يصحّ إسلام المرء إلا بالإيمان بركنيّته، ولا يجوز للمسلم تركه متعمِّداً وبلا عُذرٍ إذا استطاع أداءه، وهو الركن الخامس من أركان هذا الدين العظيم، فقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إنَّ الإسْلامَ بُنِيَ علَى خَمْسٍ: شَهادَةِ أنَّ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وإقامِ الصَّلاةِ، وإيتاءِ الزَّكاةِ، وصِيامِ رَمَضانَ، وحَجِّ البَيْتِ).[١][٢]


ولِعظمِ مكانة الحجّ ومنزلته في الإسلام فإنّ تَرْكه عمداً وإنكاراً لوجوبه وجحداً لوجوده وركنيّته يوجب كفر صاحبه بالله، لأن إنكاره إنكارٌ لركنٍ من أركان الإسلام ولأمرٍ معلوم من الدين بالضرورة، فقد قال الله -تبارك وتعالى-: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ).[٣][٢]


عِظم شأنه في مكانه وزمانه

الحجّ عظيم الشأن في نفسه وفي زمانه وفي مكانه وأعماله، فهو عظيمٌ في ذاته؛ لأنّه ركنٌ من أركان الإسلام الخمسة، وعظيمٌ في زمانه؛ لأنّه يكون في الأشهر الحرم، وعظيمٌ في مكانه؛ لأنّ أداءه يكون في أطهر وأقدس البقاع في الأرض، وعظيمٌ في أعماله؛ لأنّها مناسك عظيمة تُقرّب العبد من خالقه؛ كالطواف بالبيت، والسعي بين الصفا والمروة، والوقوف في عرفة، والمبيت في مزدلفة، وما يحصل بين ذلك من المناجاة والوقوف بين يدي الله، وغيرها من الأعمال العظيمة.[٤]


إظهار شعيرة من شعائر الإسلام

يُظهر المسلمون في الحجّ شعيرةً عظيمةً من شعائر الإسلام، ففيه يجتمع المسلمون من كلّ مكانٍ في أشرف البِقاع، ويؤدّون أعظم الأعمال امتثالاً لأمر الله -سبحانه- وأداءً لحقّه، ويتوجّه فيه جميع المسلمين لوجهةٍ واحدة واقفين بيد يدي خالقهم، ويؤدّون شعائر واحدة، فيُجسّمون حضارة الإسلام، ويُذكّرون النّاس بماضيهم العظيم المتمثّل بتذكّر النبيّ إبراهيم -عليه السلام- وزوجته وابنهما إسماعيل -عليهما السلام-.[٥]


وفي الحجّ تصعد الأصوات بالتلبية بصيغةٍ واحدة، فيقول الحجّاج بصوتٍ واحدٍ: (لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لا شَرِيكَ لكَ لَبَّيْكَ، إنَّ الحَمْدَ والنِّعْمَةَ لكَ والمُلْكَ، لا شَرِيكَ لَكَ)،[٦] ولا يخفى ما في ذلك من إظهار لعزّة الإسلام وشعائره، وإعلاء كلمة الله -تعالى-، وتلبيةً لنداء إبراهيم -عليه السلام- إذ قال الله -تعالى- له: (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً...).[٧][٨]


من فوائد وفضائل الحج على الفرد والجماعة

للحجّ فضائل وفوائد كثيرةٍ تعود على الفرد وعلى جماعة المسلمين، ولعلّ من أبرزها ما يأتي:[٩]

  • من فوائده وفضائله الشخصية:
  • تكفير الذنوب والسيّئات، فقد قال -عليه الصلاة والسلام-: (مَن حَجَّ هذا البَيْتَ، فَلَمْ يَرْفُثْ، ولَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَومِ ولَدَتْهُ أُمُّهُ)،[١٠] فالحجّ المبرور سببٌ لمغفرة الذنوب إلا ما يتعلّق بحقوق الآدميّين، فيجب ردّها وإرجاعها، أمّا فيما يتعلّق بتكفير الذنوب فقيل: إنّ ذلك يشمل الصغائر والكبائر، وقيل: بل يشمل الصغائر، أمّا الكبائر فتحتاج إلى توبة.
  • الحج المبرور سببٌ لدخول جنّات النعيم، لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (... الحَجُّ المَبْرُورُ ليسَ له جَزَاءٌ إلَّا الجَنَّةُ).[١١]
  • الحجّ سببٌ لتزكية النّفس وتطهيرها من الشوائب، ويقوّي إيمان العبد بخالقه، ويزيده إخلاصاً وصفاءً.
  • بالحجّ يشكر المسلم الله -تعالى- على ما أنعم عليه من نعمة الصحة والعافية والمال.
  • الحجّ يغرس في نفس المسلم معاني العبودية الكاملة للخالق -عز وجل-، ويُعين صاحبه على التوبة والرجوع إلى الله وتهذيب النفس.
  • الحجّ يُعلّم المسلم على الصبر وتحمّل المشاقّ في سبيل الله، وأنّ الغاية الأسمى في هذه الحياة هي الفوز برضوان الله -تعالى- وجنّته.


  • من فوائده وفضائله الجماعية:
  • الحجّ سببٌ لتعارف النّاس على اختلاف أجناسهم وألوانهم وأصولهم ولغاتهم.
  • الحجّ سببٌ لانتشار الدعوة إلى الله -تعالى-.
  • سببٌ لتمكين المسلمين من تبادل المنافع الاقتصادية بينهم.
  • مظهرٌ من مظاهر القوّة والوحدة والتعاون، وهذا بلا شكّ يغيظ أعداء هذا الدين، ويزيد من هيبته في نفوسهم.
  • مظهرٌ من مظاهر العدل والمساواة، فلا فرق فيه بين أبيضٍ ولا أسودٍ ولا عربيٍّ ولا أعجميٍّ إلا بالتقوى والقرب من الله -تعالى-.

المراجع

  1. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم:16، صحيح.
  2. ^ أ ب سعيد القحطاني، مناسك الحج والعمرة في الإسلام في ضوء الكتاب والسنة، صفحة 82-83. بتصرّف.
  3. سورة آل عمران، آية:97
  4. مجموعة من المؤلفين، مجلة جامعة أم القرى، صفحة 51، جزء 1. بتصرّف.
  5. "مكانة الحج في الإسلام والحكمة من تشريعه"، إسلام أون لاين، اطّلع عليه بتاريخ 6/4/2023. بتصرّف.
  6. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم:1549، صحيح.
  7. سورة الحج، آية:27
  8. "مكانة الحج في الإسلام"، المسلم، اطّلع عليه بتاريخ 6/4/2023. بتصرّف.
  9. وهبة الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته، صفحة 2067-2069، جزء 3. بتصرّف.
  10. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:1820، صحيح.
  11. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:1773، صحيح.