فضل العمرة عن الميت

بيّنت السنة النبويّة أن الإنسان إذا مات انقطعت أعماله، وما يصله بعد ذلك من الأجر والثواب منحصر في أبواب ثلاثة؛ وهي ما ثبتت بالحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: (... إِلَّا مِن صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو له).[١][٢]


ولا يتعارض ذلك مع النصوص الثابتة الدالة على مسؤولية الإنسان عن عمله وسعيه، وأنّ الثواب يكون للأعمال التي قام بها بنفسه لنفسه؛ كقوله -تعالى-: (وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى)،[٣] إذ إنّ الصدقات الجارية، والعلم المنتفع به، والولد الصالح؛ جميعها ممّا سعى إليه الإنسان في حياته، فكان أجرها مما يُستحق في حال موته.[٢]


وتعدّ العمرة من الأعمال التي تدخل في جملة الحديث السابق؛ إذ ينتفع بها الميت -بإذن الله تعالى- لوقوعها ضمن الدعاء الصالح؛ الذي يُستجاب للميت، بالإضافة إلى العمل الصالح الذي يُهدى ثوابه للميت، ويمكن بيان فضل أداء العمرة عن الميت على النحو الآتي:[٤]

  • رفع الدرجات وزيادة الأجور والحسنات.
  • التخفيف من العذاب، والنجاة منه.
  • من أفضل القربات التي يمكن إهداء ثوابها للميت.
  • أداء الفريضة عن الميت، وقضاء الحقوق المترتبة عليه؛ وذلك إذا لم يكن قد حجّ عن نفسه حجة الإسلام، أو اعتمر العمرة الواجبة.[٥]
  • ترتيب الأجر والثواب لمن ينوب عن الميت -على رأي بعض أهل العلم-.[٥]


أدلة جواز الحج والعمرة عن الميت

استدلّ جمعٌ من الفقهاء بجواز أداء مناسك العمرة والحج عن الأموات بعدد من الأدلة؛ سواء أكان فريضة أم نافلة، ومن هذه الأدلة:[٦]

  • قوله -تعالى- في المواريث: (... مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ...)؛[٧] إذ إنّ الآية الكريمة دلت على عموم أداء الديون وعموم أداء الوصيّة، ومن مات وفي ذمته حج مفروض أو عمرة واجبة، كان من عموم الدّيون التي يجب قضاؤها قبل تقسيم التركة، وكذلك لو أوصى الميت بها؛ وجب الوفاء من التركة بالقدر المُسموح للوصيّة.
  • ما ثبت في الصحيح أنّ امرأة جاءت إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ فقالت: (إنِّي تَصَدَّقْتُ علَى أُمِّي بجَارِيَةٍ، وإنَّهَا مَاتَتْ، قالَ: فَقالَ: وَجَبَ أَجْرُكِ، وَرَدَّهَا عَلَيْكِ المِيرَاثُ... قالَتْ: إنَّهَا لَمْ تَحُجَّ قَطُّ، أَفَأَحُجُّ عَنْهَا؟ قالَ: حُجِّي عَنْهَا).[٨]
  • أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- سمع رجلاً يقول: (لبَّيكَ عن شُبرمةَ؛ فقالَ رسولُ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ-: مَن شُبرمةُ؟ قالَ: قريبٌ لي، قالَ: هل حجَجتَ قطُّ؟ قالَ: لا، قالَ: فاجعَل هذِهِ عَن نَفسِكَ ثمَّ حُجَّ عن شُبرمةَ).[٩]


ثواب النائب عن الميت بالعمرة والحج

تعدت أقوال أهل العلم في مسألة حصول الأجر والثواب لمن ينوب عن الميت إلى قولين؛ وقد استدل أصحابهما بأدلة مُعتبرة ؛ ويمكن بيان ذلك على النحو الآتي:[١٠]

  • النائب عن الميت له مثل أجره

قال بعض أهل العلم إنّ عموم الأدلة الواردة في فضل أداء الحج والعمرة تقتضي تحصيل الحسنات، ونيل الأجور عليها لمن قام بها، أو أهدى ثوابها لغيره؛ كما أنّ ذلك يعدّ من أبواب الخير التي قال فيها النبي -صلى الله عليه وسلم-: (... مَن دَلَّ علَى خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ)،[١١] وقالوا إنّ الأجور التي يُحصّلها من ينوب عن الميت تعتمد على مدى إخلاصه، وصدقه في أداء العبادة، سواء نال عليها أجراً مادياً أم لا.


  • النائب عن الميت له أجر الإحسان

ذهب أصحاب هذا القول إلى أنّ الأحاديث الواردة في أجر أداء المناسك، من الحج والعمرة خاصة بالميت؛ الذي نُوي إهداء الأجر إليه، أمّا النائب عن الميت فله أجر الإحسان على قيامه بهذه الطاعات عن الميت، بالإضافة إلى أجور الأعمال الأخرى التي يُؤديها؛ كالصلاة والذكر والدعاء ونحوها.

المراجع

  1. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:1631، صحيح.
  2. ^ أ ب محمد عبد اللطيف الخطيب، أوضح التفاسير، صفحة 650، جزء 1. بتصرّف.
  3. سورة النجم، آية:39
  4. عبد الرحمن بن ناصر البراك، شرح العقيدة الطحاوية، صفحة 339. بتصرّف.
  5. ^ أ ب ابن باز، فتاوى نور على الدرب، صفحة 317-318، جزء 14. بتصرّف.
  6. مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الدرر السنية، صفحة 323، جزء 2. بتصرّف.
  7. سورة النساء، آية:11
  8. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن بريدة بن الحصيب الأسلمي، الصفحة أو الرقم:1149، صحيح.
  9. رواه ابن ماجه، في سنن ابن ماجه، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم:2903، صححه الألباني.
  10. محمد صالح المنجد، موقع الإسلام سؤال وجواب، صفحة 3949، جزء 5. بتصرّف.
  11. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي مسعود عقبة بن عمرو، الصفحة أو الرقم:1893، صحيح.